[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]"على فرنسا أن تعتذر عن جرائمها الاستعمارية لكن علينا أيضا وقف الكذب باسم الثورة"
"الجوائز الأدبية في فرنسا تشبه لعبة اليانصيب ولا حيلة للكتّاب في الترشيحات"
عاد أنور بن مالك إلى الجزائر من أجل الترويج لروايته الأخيرة "الاختطاف" التي وقعها بجناح منشورات سيديا على هامش الطبعة الرابعة عشر لمعرض الجزائر للكتاب. "الاختطاف" المرشحة بقوة لجائزة التلفزيونات الفرنسية تعالج ظاهرة اختطاف الأطفال التي بدأت تستفحل في الجزائر عبر قصة مواطن بسيط تتعرض ابنته للاختطاف وتتشعب الحكاية وتمتد لاسترجاع أحداث حرب التحرير ومجزرة ملوزة. "الشروق" التقت الكاتب فكان هذا الحوار.
رواية "الاختطاف" هي آخر أعمالك.. بداية لماذا هذا العنوان الذي يبدو نوعا ما صادما مقارنة بموضوع العمل؟
كتبت الكتاب بعد تأثري بقصة الطفلة التي اختطفت في بئر مراد رايس وتعرضت للاغتصاب وتم رميها بطريقة وحشية، وكذا الطفل ياسين، وحيرني صمت السلطات التي لم تُبد أي حراك تجاه الموضوع الذي تعرضت له الصحافة بشكل واسع، وكأن ما حدث لا يعني كرامة الإنسان ربما لأن هذا الطفل ينتمي لأسرة بسيطة ولا تملك نفوذا. في لحظة ما طرحت سؤالا على نفسي ما هو هذا المجتمع الذي يقبل أن يتحمل الضعفاء فيه كل هذا دون أي حراك؟ وهل وصل الشعب الجزائري بكل كبره وعنفوانه لقبول مثل هذه الأشياء؟
قد نفسر الظاهرة بالعشرية السوداء ولكن أظن أن جزءا من الأسباب التي ولدت الظاهرة وظواهر أخرى تتعلق بالعنف بكل أشكاله تعود لفترة حرب التحرير.
ربما لهذا اخترت أن تربط حكاية عزيز الذي تعرضت ابنته لاختطاف بقصة ماتيو والطاهر اللذين عادا بذاكرتهما لحرب التحرير ومجزرة ملوزة، هل يعني هذا أن ما عرفته جزائر التسعينيات هو نتيجة لبعض "الطابوهات التاريخية"؟
في بعض الجوانب نعم، فالناس الذين اكتشفوا إبان حرب التحرير أنه بإمكانهم أن يقصوا المعارضة بالقوة والعنف ولأنهم استمروا في احتكار السلطة بعد الاستقلال استمروا في انتهاج نفس السلوك، فبدل أن يكون اختلافنا في وجهات نظر ثراء لنا أصبحنا ننظر لمن يخالفنا الرأي على انه خائن وعدو ويجب قتله أو سجنه، وأنا لم افعل أكثر من تشريح الواقع التسلطي للسلطة ميلاده وعاداته التي اكتسبها من فترة حرب التحرير فهناك من يعتقد أن الكل يجب أن يخضع له لأنه فقط يملك السلاح مثلا قصة "لبلويت" أبطالها جزائريون ولم نستطع حتى الآن أن نفتح نقاشا بشأنها، فكيف نستطيع الاستمرار في التعامل مع الشعب بهذه الطريقة فشخصية عميروش مثلا هي شخصية معقدة من جهة بطل ومن جهة قاتل للنخبة والطلبة واحد من المسؤولين عن "لبلويت".
ويجب أن أوضح في هذا السياق أن أبي مجاهد سابق وخالي قتله الاستعمار الفرنسي ككل الأسر الجزائرية التي كان لها نصيب من معاناة حرب التحرير والتجاوزات التي قام بها الجيش الفرنسي في الجزائر أشياء تاريخية ثابتة ولا يمكن نكرانها والجزائر دفعت غاليا من اجل تحررها من الفترة الكلونيالية، ولكن هذا ليس مبررا يجعلنا نتقبل المجازر التي حدثت في ملوزة وطالت الذين لم يكونوا على وفاق مع جبهة التحرير.. وهل معارضة الرأي السائد جريمة تستحق الحكم بالإعدام، في عرفنا وبلداننا تعودنا أن ننعت كل من لا يكون على وفاق مع أصحاب السلطة بالخائن وعدو الوطن، في قضية ملوزة مثلا ما ذنب الأطفال في 12 من عمرهم وما دخلهم بالسياسية، لهذا لا يجب أن تخلط بين المناضلين الحقيقيين والجزائر لا تخلو منهم مثل بن مهيدي وعبان رمضان وآخرين وبين القتلة..
بإمكان الإنسان أن يكون بطلا وقاتلا في نفس الوقت، لهذا السبب بقي الناس دائما يخافون من أصحاب السلطة لأن ما حدث في التاريخ بإمكانه أن يتكرر دائما كما تكرر في 5 أكتوبر وفي انقلاب بومدين، والغريب فعلا أننا في كل مرة نطوي الصفحات وننسى، أتساءل هل قدر الجزائر دائما أن تبقى مرهونة بالبقاء بلا ذاكرة، سأكون فخورا دائما ببلدي الذي يحتاج اليوم لشيء واحد فقط هو الحقيقة البسيطة، ويجب أن نكف أيضا عن اتهام الناس المعارضين بالخيانة والعمالة لأجانب لأن اليوم صار من السهل جدا عندما لا نتفق مع احد ما نقول له انك محرك من طرف فرنسا أو أية جهة أجنبية أخرى.
لكن هناك من يتهمك بأنك تساوي بين الضحية والجلاد؟
في الكتاب إدانة واضحة للتعذيب الذي مارسته فرنسا في الجزائر، حيث ترد بعض المقاطع التي تروي فيها إحدى الشخصيات ما تعرضت له من تعذيب أثناء الاحتلال "إلا إذا كنا عبيدا في أدمغتنا لنكون ضد استقلال وطن" هذه عبارة واردة في الكتاب الذي يدين بشكل مباشر وقطعي الاحتلال الفرنسي والتعذيب، ولكن هذا لا يعني أن من حرر البلد له حقوق عليا، من حرر البلد يجب أن يعود لمكانه مثل الجميع، من رحل رحمة الله عليه، ومن ظلوا أحياء ليس من حقهم أن يبقوا سادة الجزائر للأبد، لكن اليوم من هم في السلطة هم الذين "اشتروا حرية الجزائر" لمناصبهم، ولا أتحدث عن أغلبية المجاهدين، ولكن عن الذين يعتقدون انه من حقهم شراء الجزائر، وهنا أؤكد أنني فخور جدا ببلدي لكن بلدي لا يمكنه أن يكون كبيرا إذا كان ضد الحقيقة، مثلا اعرف أن بن مهيدي بطل حقيقي لكن الذين قتلوا عبان رمضان لا يمكن اعتبارهم أبطال الجزائر، ولا يمكن أن نستمر بالادعاء في الكتب المدرسية أن عبان قتلته فرنسا في حين الكل يعلم انه قتل من طرف رفقاء السلاح، وإذا كذبنا في مسألة كهذه كيف تريدون أن نقنع البلد الآخر بضرورة الاعتذار، فيجب في أول الأمر أن نقوم بما يجب أن نقوم به بيننا، أن نقول ونعترف بالحقيقة لأنفسنا أولا.
تحدثت عن قضية ملوزة وعن لبلويت.. ألا تعتقد انك تتدخل في عمل المؤرخين وتخرج قليلا عن عمل الكاتب؟
هناك من قال بأنني لست مؤرخا، قد يكون هذا صحيحا لكن لماذا المؤرخين لم يقوموا بعملهم؟ أول مرة تم الحديث عن "لبلويت" في الجزائر كان في حصة تلفزيونية مباشرة، ومن قام بالمبادرة لم يكن جزائريا، كان المخرج ريني فوتي احد المساندين والمدافعين عن الثورة، فلا يمكن أن نشكك بنوايا أو بمصداقية هذا الرجل الذي قال إن عمروش مسؤول عن لبلويت، لذا أقول انه يجب أن نتوقف اليوم عن معاملة ضحايا مجزرة ملوزة كخونة وأفضل طريقة لمداواة الجراح هي تشجيع الناس على الكلام والنقاش، أقول بركات الجزائر دفعت الثمن غاليا وآن الوقت لنقول الحقائق كما هي، وكروائي الحديث عن مثل هذه الأشياء جزء من مسؤولياتي، وعلى الذين لا يتفقون معي أن يؤلفوا ويكتبوا ويقولوا العكس لكن ليس باستعمال سلاح الاتهام بالخيانة والشتم الذي صار عندنا يعوض الحوار، لأنه ليست لدينا تقاليد الحوار والنقاش.
والمشكلة في الجزائر أن المؤرخين يتجنبون دائما المواضيع الصعبة، ولا يوجد تاريخ خارج التاريخ الرسمي، لهذا أصريت أن يكون صدور "الاختطاف" في طبعة جزائرية موازاة مع الطبعة الفرنسية، هكذا حتى يقرأ الناس ويتوقفوا عن إسداء الأحكام الجاهزة، وليس هناك جزائري أكثر جزائرية من الآخر، وعلى الذين يسعوا لإسكاتنا بدعوى أننا لسنا مؤرخين أن يناقشوننا ويقنعونا بالبرهان، في جزائر اليوم من السهل جدا أن نطلق أحكام الخيانة في حق الناس، فبن بلة الذي كان بالأمس خائنا أصبح اليوم مبعوثا خاصا.
في الرواية تركز كثيرا على اللحظات الإنسانية كما لو كانت دعوة للمصالحة بين الجزائر وفرنسا.. هل تعتقد فعلا أنه يمكن أن نتحدث اليوم عن مصالحة ملموسة في ظل الذاكرة التاريخية الثقيلة للطرفين؟
لا، لا توجد مصالحة تاريخية بين فرنسا والجزائر، فبين الطاهر وماتيو هناك مصالحة ذاتية فيما بينهم، هناك مصالحة يجب أن تمر عبر الإدانة للماضي الاستعماري، والمصالحة بهذه الظروف غير ممكنة لأن كل طرف متمسك بموقفه، الفرنسيون يتجاهلون ما اقترفه الجيش الفرنسي في حق الجزائريين وما اقترفوا من كوارث، في الظهرة مثلا تم حرق الجزائريين في المغارات، ومجازر 8 ماي 45 لا يمكن نسيانها، ولكن في مقابل هذا في الجزائر ما زال هناك من يكذب على الشعب بخلق هيلولة إعلامية حول أول نوفمبر لإخفاء حقائق التاريخ، وأنا كجزائري لا استطيع أن أمارس ضغطا على فرسا، لكن لي رأي في بلدي، أنا كاتب بسيط أدلي برأي في كل المسائل التي أرآها مهمة، والكتاب الذي أقدمه لا يتوقف فقط عند الثورة ولكن يمر عبر أحداث في أكتوبر 88 الذي راح ضحيته شباب في مقتبل العمر، ومن تسبب في تلك الأحداث ما زالوا يعاملون كمسؤولين محترمين، فقد آن الوقت أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا.
كيف يمكن تجاوز كل هذا، ما هو الحل في رأيك؟
لا أتصور حلا معينا، ويجب أن لا تنتظر مثلا انه في يوم محدد وفي تاريخ محدد قد تحدث المعجزة، ولكن على كل طرف أن يقوم بخطوة على مستواه، في فرنسا مثلا هذه السنة هناك ما لا يقل عن 6 كتب ألفها فرنسيون عن حرب الجزائر وتدين الاستعمار وما خلفه الجيش الفرنسي في الجزائر، وهنا أيضا في الجزائر هناك كتب للمجاهدين تكشف بعض الحقائق التي صدرت في داخل الجزائر، لكن كل هذه الكتب لا يتم مناقشتها بجدية وأهمية، هذه المؤلفات إنها كتبت من طرف شهود عيان، على كل طرف إذن أن يقوم بما يستطيع، وواجب الحقيقة كل طرف ملزم به، لا نستطيع مثلا مواصلة الادعاء في الكتب المدرسية أن عبان قتل من طرف فرنسا، وإذا اعتاد الطفل أن نكذب عليه في أمر كهذا سندفعه للشك في كل شيء، وحتى في أبطال الثورة مثل بن مهيدي وغيره، والحقيقة قد توضع في قفص الاتهام إذا ما تم التشكيك فيها ولو بأشياء قد تبدو لنا بسيطة.
اختيرت رواية "الاختطاف" لجائزة التلفزيونات الفرنسية لكنها استبعدت من البوكر.. ما هي معايير الاختيار في الجوائز الفرنسية؟
لا اعلم بالضبط ما هي المعايير، ولا يستطيع الكاتب التدخل ولا أي جهة كانت في اختيار الكتاب لجائزة معية الجوائز الفرنسية مثل اللطو لو ربحت لا تستطيع أن تقول لا وإذا خسرت لا يمكنك الاحتجاج، أيضا هناك لجان التحكيم مستقلة ولا احد يمكنه أن يتدخل في عملها وكل لجنة تختار معاييرها الخاصة بها وهي مختلفة حسب لجان التحكيم، ولو كنت اعلم ما هي المعايير لطبقتها لأكون مختارا.
حدث نقاش كبير في السنة الفارطة حول قانون 23 فيفري وحول وجوب اعتذار فرنسا للجزائر.. ككاتب كيف تقرأ المسالة؟
يجب على فرنسا الكولونيالية أن تعترف بجرائمها، وأتساءل لماذا تأخرت كل هذا الوقت، خاصة وأن الشارع الفرنسي في أوساط الكتاب والمثقفين هناك الكثير من الشهادات حول التعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي في الجزائر، لكن للسياسيين دائما خيارات أخرى، وهناك مثلا أحزاب اليمين التي تتأسف أنها خسرت الحرب، وعادة ما يتم توظيف التاريخ في الحروب والمعارك السياسية، نعم على فرنسا الاستعمارية أن تعترف بما قامت به في الجزائر من جرائم، وإن كنت كجزائري لا تهمني آراء بعض الفرنسيين التي بقيت تنظر إلينا نظرة دونية، ولكن لما يصل الأمر إلى البرلمان ويتم إصدار قانون لتمجيد الاستعمار يصبح الأمر عندي أكثر من مهم، ولحسن الحظ أن شيراك كان له من الذكاء ما جعله يتراجع عن القانون، لكن علينا أن نبدأ من جهتنا في عمل ما نستطيع القيام به هنا في بلدنا تجاه تاريخنا وذاكرتنا.
اليوم هناك الكثير من الكتاب الجزائريين في فرنسا.. ما هو دور الكتاب في فتح أبواب الحوار التي تحدثت عنها؟
ليس لهم أي دور غير أن يقولوا ما يجب أن يقولونه حتى لو كان مزعجا، ويجب أن نقتنع أن الكتاب لا يحل المشاكل، فمشكلة ملوزرة لن يحلها "الاختطاف" لكنها إضافة في الاتجاه الصحيح لفتح النقاش حول الموضوع، ليس للكاتب دور غير أن يقول الحقيقة بحرية، لكن في الجزائر ونظرا لغياب المعارضة نطلب من الكاتب أن يقوم بدور رئيس الحزب والشرطي مثلما نطلبه اليوم من الصحفي، ولكن ليس هذا هو دور لا الكاتب ولا الصحفي.
بعد "آه ماريا" والضجيج الذي حدث حولها، قررت أن لا تكتب عن الجزائر، لكن "الاختطاف" أعادتك مجددا لنفس البداية؟
الرواية كلفتني غاليا، وكنت حزينا جدا لأن الناس لم يفهموا الرواية ولم يضعوها في سياقها الحقيقي، وهي أنني أعدت ذاكرة المورسكيين للجزائر، فالناس إذا كانوا لا يعرفون أن هناك موريسكيين عاشوا لمدة قرن في اسبانيا ثم تم طردهم فهؤلاء المسلمون منحتهم حياة أخرى بإعادتهم عن طريق الرواية إلى الجزائر، لكن الكتاب لم يقرأ جيدا وكلفني ذلك غاليا، لذا قررت أن لا اكتب عن الجزائر.. ولكن عندما بدأت في كتابة عملي الجديد لم استطع أن اكون خائنا لذاتي واتبعت قلبي واستثمرت 3 سنوات في العمل حول حرب الجزائر عدت مجددا للجزائر والتاريخ واخلف قراري.