حين تسمو نفس المؤمن في أجواء وروحانية رمضان فلا تلبث إلا أن يكون أثر ذلك في الجوارح لاشك , وقد قال –صلى الله عليه وسلم-:"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" , وهنا يأتي معنى الصوم الحقيقي في ضبط الجوارح , ومن ثم أطرها على الحق , حتى وإن كان الصائم من ظُلم وأُخذ حقه فإنه يستمر في مدرسة الحلم وضبط النفس والأعصاب , ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم" , إن الصائم الرباني له مع جوارحه في رمضان دورة تدريبية في توجيهها التوجيه الصحيح , وهي فرصة من الفطنة استباقها : وإن الجوارح مفاتيح خير للمؤمن إذا وُفق في كفها عما يُغضب المولى –جل وعلا-ومن ثم جاهد نفسه لإيجاد البديل الناجع فحري أن يصف مصاف الأولياء . ونعجب حقاً ممن بلغه الله الشهر , وأتم عليه نعمته بوافر الصحة والقوة , وقد أخذت نفسه زمناً مع المعصية والعادة السيئة , وقد تردد في قرار لوقف ذلك –لأسباب عدة-, ولكنه لم يخالجه أن يستوحي معاني الشهر المبارك : ليجعلها بداية محرقة لنهاية مشرقة (بإذن الله) . .
إنها سؤالات واستفهامات أوجهها لنفسي أولاً , ولإخواني وأخواتي ثانياً عبر أثير رمضان الروحاني . . أقول :
- ألا يحين لمن أراد أن يرقى بسمعه للقرآن , وأطايب الكلام أن يتنغم بآيات الذكر , وأروع التلاوات ليحلها محل مزامير الشيطان , وفاكهة المفاليس ؟ . .
- إلى ذلك الذي لطالما أشغلته المقاطع والمناظر والصور والأفلام والمسلسلات المحرمة عن التفكر , وتفرغ القلب لله , ألا يجد من هذا الشهر عزيمة ليتلذذ بمطالعة المصحف الكريم , والتفكر في آلاء الله المجيد ثم ليقصر نفسه عن الباطل قصراً , ويجاهد ذاته في ذلك . .
- أنت يا من لم يقف لسانه عن الغيبة والشماتة , وعن الهراء والمجادلة . . أوقن أنك ستجدها فرصة لترطيب لسانك بذكر الله فيكون ذاكراً شاكراً , ألا تجعل هذا اللسان الذي لاطالما أشغلك والآخرين عن الخير فلا يلبث حتى يكون تالياً لكتاب الله , يتغنى بآيات الذكر الحكيم ؟ . .
- إلى ذلكم الذي لا يعلم ما أكل من حرام أم حلال , فقد يكن الجسد نبت من سحت وهو لايعلم , يريد ليتخلص من ذلك منذ علم الحكم , ولكن الشيطان طوق عقله , والدنيا أغرته بالأماني الزائفة , والخدع الباطلة . . ولكن أتت الهبة من الله حين اُعتقلت الشياطين , وبات يستمع لنداء الملك (يا باغي الشر أقصر ) فيطهر مأكله ومشربه , ويستأنفها تجارة مع الله , ولكن بعملة جديدة تقوم على البر و الإحسان . .
- أيا من أشغل فكره وجسده بكثير من الشواغل الدنيوية , والهوامش الحياتية أما يرنو لأن يستعيد قواه الداخلية فيتوجه للصالح من العمل , والباقي الحسن من الأثر , فيجد رمضان مؤيداً ونصيراً له , فيألف الخير ويألفه , ويرسم اسمه مع السابقين إلى الخيرات ! حتماً سيجدها فرصة لتوظيف مهجته لله . .
- قف! يا من أشغلته شهوته من الحق , وأوردته غريزته أوحال الغي والضلال فقد أدركت رمضان , واستطعت أن تكف بعض ملاذ النفس وحاجته نهار الشهر , إنها فرصتك لأن تنفك من ربقة الفواحش والملهيات , وتتخذ من المسجد سكناً , ومن القرآن صديقاً . .
- وهناك الكثير من النداءات الربانية , والآفاق الرمضانية لتوجيه جوارحنا وإراداتنا صوب مراد الله وغايته في هذا الشهر الكريم , وإن رمضان يحمل كثير من مراكز التدريب التي تؤهل من يلتحق فيها أن يمتلك المهارة الكافية لممارسة حياته على ما يرضي الله .