amar mechri المدير العام
عدد الرسائل : 290 العمر : 36 الموقع : بلدية بني يلمان المسيلة تاريخ التسجيل : 23/10/2008
| موضوع: أفاق رمضانية 4 2010-08-23, 21:23 | |
| ومع نداءات الرحمن الرمضانية , والحوافز والغايات النبيلة التي سرت في أجواف العظماء من المخلصين لتكوّن أنموذجاً فريداً مما يريده الله من عبيده , ومما أراده-سبحانه- من هذا الشهر الكريم ..حيث قال جل من قائل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183 , ومن هنا من هذه الآية المشرعة يظهر لنا الغاية العظمى من هذا الشهر النبيل .. إنه تحصل التقوى ,نعم التقوى التي سعت إليها نفوس المخبتين , وأرادتها أرواح القانتين , وبذلت النفوس المطمئنة لها المهج في سبيل بلوغ النفس لتقوى الله , وما هي تقوى الله ؟ سهل جواب هذا السؤال ! لكنه حين يعرض على العارفين يبدو الجواب له طريقة أخرى .. العارفون هم من يدرك هذه التقوى , ويدرك مراميها .. أوليس كان أحدهم يُقال له :اتق الله ..فيُعاد في بيته شهر , لكن ذلك لم يأت من الفراغ , بل كانت إثر دراية بغايات اللطيف الخبير .
إننا نقف مع شهر عظيم , شهر عظمه الله بين أشهر العام , واختاره ليكون ميدان عظيم يضم ميادين في التسابق إلى الخيرات يعلمها الموفق , ويجهلها غيره .. إنا بصدد التعرض لشيء من تلكم الغايات المتضمنة في الغاية العظمة (تقوى الله ) ,ومن هذه الغايات:
- حصول القرب والالتصاق بالقرآن , ومدارسته , وتلاوته , وتدبره ,والنظر فيه , وهو في كل وقت , ولكنه مع رمضان له مزية خاصة , حتى مع المصطفى –صلى الله عليه وسلم- فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم-أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. متفق عليه . وإن هذا يتطلب جهداً وثيقا ممن يروم هذا الأمر , فإنه يحدد أثمن الأوقات لذلك , لا سيما التدبر الذي يحصل به حياة القلب فيجعل هناك نظرات روحانية في ثنايا الآيات الكريمة , ويحاول جاهداً استشعار هذه الغاية , ومحاولة بلوغها . وإن للقرآن مع الصيام علاقة وطيدة حيث تلازم نزول القرآن في شهر رمضان , وحصول الثواب العظيم للقارئ الصائم . قال –جل وعلا- :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ... }البقرة185. و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام : رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فيشفعان".صححه الألباني .
- ومن غايات هذا الشهر حصول المؤمن على رتبة عالية في حسن الخلق , والعفو والصفح , وكظم الغيظ , وإن المؤمن يضبط بذلك حياته كلها حين يكبح جماح نفسه عن كل جائحة تتصف بها الذات , ومن ثم فإنها تسمو وتسمو لتعانق نائفات الذوق , وفن التعامل , ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم" . ويلحق بهذه الغاية صلة الرحم , ووصلها لا سيما إذا كان ثمة تقاطع أو تنافر فإنها فرصة تسنح للمؤمن باغي التصالح والمغافرة , والذي يقدم مراضي الله على أهواء نفسه , ويلحق بذلك تصافي القلوب من وحر الصدور , ولما يفسد ذلك على العامل أجره ,عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:« قال إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» صحيح ابن ماجه . وقد ورد كذلك في يومي الاثنين والخميس , قال –عليه الصلاة والسلام- " ترفع الأعمال إلى الله تعالى كل يوم اثنين وخميس من كل أسبوع فيغفر الله لمن لا يشرك به شيئا إلا المتشاحنان أي المتخاصمان فيقول الله تعالى لملائكته وهو أعلم بحالهم دعوهم حتى يصطلحا فإن ماتا على ذلك ولم يصطلحا لم ترفع لهما أعمال",وهذا دليل على رجوع العمل على صاحبه مهما بلغ صلاحه إذا كانت ثمة تنافرات وتشاحنات في الأنفس لاسيما إذا لحقها التقاطع والتدابر , وإن رمضان يأتي ليكون من غاياته إصلاح الذوات , واستئصال سوء الخلق وحب الذات من شأفته ليغادر بها إلى مكان سحيق فتتربى النفس المؤمنة على التسامح والتواد والتآلف .
- وكان من الغايات النبيلة حصول التكافل بين أفراد الأمة الواحدة فهذا تفطير الصائمين , وهذا ميدان الإنفاق , والصدقة , بل وكان المصطفى –صلى الله عليه وسلم – يجود بماله , وأجود ما يكون حين يلقاه جبريل في رمضان يدارسه القرآن , وكان أجود من الريح المرسلة , وقد شرعت زكاة الفطر , وأُوجب أداؤها قبل صلاة العيد حتى يتسنى لذوي الحاجة الفرح بالعيد مع إخوانهم , إنها رسائل ضمنية تدعونا للوقوف بجانب المحتاجين وغيرهم لا سيما الذين يتكففون , ولا يسألون الناس إلحافاً .
- وإننا نقف مع تلكم الغاية التي افتتحنا بجزء منها حديثنا , وهي حصول التقوى , وولوج أبواب والخير , والنيل من طرائق البر , والسلامة من كل إثم وقطيعة , وقد ورد في الخبر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلِّقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية أخرى في صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين )., ونحن إذا عددنا أبواب الجنة الثمانية نجد توافر الأعمال التي تهيء المؤمن لولوج الجنة من أي باب أراد , وأبواب الجنة كما ورد الصلاة-الصدقة-الجهاد-الصيام-الذكر-الحج(العمرة)-البر-كظم الغيظ ) , وهنا يوضح كيف يستطيع المؤمن أن يبلغ إلى هذه الغاية , وهو يرى ميادين البر المتوافرة في هذا الشهر المبارك . وما أجمل أن يعد المؤمن ذاته ليحقق مرادات الشارع-تبارك وتعالى- التي من أسماها بلوغ التقوى , وفراغ القلب لله –عزوجل- .
* أقول وفي نهاية مطافنا من خلال غايات هذا الشهر : وإن كنا لا نستطيع الارتقاء لبلوغ الغايات المبتغاة فلا أقل أن نتذكر هذا الحديث الذي قال فيه المصطفى –صلى الله عليه وسلم- في جزء من حديث طويل :" أتاني جبريل فقال : يا محمد ! من أدرك شهر رمضان فمات فلم يُغفر له فأدخل النار فأبعده الله قل : آمين . فقلت : آمين " . صححه الشيخ الألباني رحمه الله . وإن هذه الغاية ليسيرة على من يسرها الله له , وهي مما ذرفت له أدمع المتهجدين , وسمت إليه أرواح العاكفين خوفاً وفرطاً من قول الحق-تبارك وتعالى- وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف 179.
أسأل الله لي ولكم المغفرة والتوبة النصوح , وأسأله جل وعلا برحمته أن يسدل علينا ستره , وأن يغفر لنا الزلل , وأن يجعلنا الله مع المتقين , فلقد قال الله-جل وعلا-:".. إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " المائدة27.. آمين . | |
|